......
قول الإمام محمد بن عيسى الترمذي (المتوفى: 279):
قال أبو عيسى الترمذي في سننه (4 / 692): "وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال: كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه. ومعنى قوله في الحديث: «فيعرِّفهم نفسه» يعني يتجلى لهم ".
*****************************
وفي عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص: 197-198) أنّ إسحاق بن راهويه سئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله [أي: ابن طاهر]: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أَثْبِته فوق حتى أصف لك النزول. فقال الرجل: أَثْبَتّه فوق. فقال إسحاق: قال الله عز وجل: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم".-
*****************************
قول الإمام الحارث بن أسد المحاسبي (المتوفى: 243):
قال الحارث المحاسبي في كتابه فهم القرآن (ص: 349-352): "وأما قوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} و{أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} فهذا مقطع يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} يعني: فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء...
ثم استأنف التخويف بالخسف إلا أنه على العرش فوق السماء وقال {{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَومٍ} الآية، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} فبين عروج الأمر وعروج الملائكة ثم وصف صعودها بالارتفاع صاعدة إليه فقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطِّيبُ}، وقال: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} ثم قال {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مقدار صعودها، وفصله من قوله: {إليه} كقول القائل: صعدت إلى فلان في يوم أو في ليلة، وإن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله جل وعز وإن كانوا لم يروه ولم يساووه في الارتفاع في علوه، فإنهم قد صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو الذي الله عز وجل فوقه...وقال عن فرعون {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، ثم استأنف فقال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} فيما قال لي إنه في السماء، فطلبه حيث قال له موسى، مع الظن منه بموسى عليه السلام أنه كاذب".
*****************************
قول الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى: 256):
قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 98): "ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون رفيع الصوت، وإن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله عز وجل ذكره.
قال أبو عبد الله: وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال عز وجل: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} فليس لصفة الله ند، ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين "
وقال أيضًا في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 53): "ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء...".
*****************************
قول الإمام أبي محمد ابن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276):
قال ابن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية (ص: 44): "الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نُزيل اللفظ عما تعرفه العرب وتضعه عليه، ونمسك عما سوى ذلك".
وقال أيضًا (ص: 41-42): "فإن قال لنا: ما اليدان ههنا؟ قلنا: هما اليدان اللتان تعرف الناس. كذلك قال ابن عباس في هذه الآية: (اليدان اليدان). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلتا يديه يمين»، فهل يجوز لأحد أن يجعل اليدين ههنا نعمة أو نعمتين وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فنحن نقول كما قال الله تعالى وكما قال رسوله، ولا نتجاهل، ولا يحملنا ما نحن فيه من نفي التشبيه على أن ننكر ما وصف به نفسه، ولكنا لا نقول: كيف اليدان، وإن سئلنا نقتصر على جملة ما قال ونمسك عما لم يقل".-
*****************************
*****************************
قول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (المتوفى: 280) ( ):
قال عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص: 67) بعد ذكره لقول مالك السابق: "وصدق مالك، لا يعقل منه كيف، ولا يجهل منه الاستواء، والقرآن ينطق ببعض ذلك في غير آية".
وقال أيضًا في النقض على المريسي (1 / 289-291): "فإذا قال: ضربني فلان بيده، وأعطاني الشيء بيده، وكتب لي بيده استحال أن يقال: ضربني بنعمته، وعلم كل عالم بالكلام أنها اليد التي بها يضرب وبها يكتب وبها يعطي لا النعمة...
ولا يجوز الكلام في آيات الصفات وأحاديث الإثبات لها ونفي المثلية عنها والإيمان بها إلا بما يعرف من اللغة العربية على سياق الكلام وملازمته. والله أعلم.
ولا يجوز لك أيها المريسي أن تنفي اليد التي هي اليد لما أنه وجد في فرط كلام العرب أن اليد قد تكون نعمة وقوة، ولكن هذا في سياق الكلام معقول، وذلك في سياق الكلام معقول، فلما قال الله
عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} استحال فيهما كل معنى إلا اليدين كما قال العلماء الذين حكينا عنهم".
وقال أيضًا في النقض على المريسي (2 / 689): "لكنا نثبت له السمع والبصر والعين بلا تكييف، كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه، وأثبته له الرسول... وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاب بأسانيدها وألفاظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول كما قال، ونعني بها كما عنى، والتكييف عنا مرفوع".
وقال أيضًا في الرد على الجهمية (ص: 94-95): "قال: فقال قائل منهم: معنى إتيانه في ظلل من الغمام ومجيئه والملك صفا صفا كمعنى كذا وكذا.
وقال أيضًا في النقض على المريسي (2 / 751): "فيقال لهذا المعارض: نراك قد كثرت لجاجتك في ردّ هذا الحديث، إنكارا منك لوجه الله تعالى، إذ تجعل ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين معقول في سياق اللفظ أنه وجه الله نفسه...فإن لم تتحول العربية عن معقولها إنه لوجه حقا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم"
.وقال أيضًا في النقض على المريسي (1 / 343-344): "علم بما قصّ الله من الدليل، وبما حدّ لنزول الملائكة يومئذ أن هذا إتيان الله بنفسه يوم القيامة ليلي محاسبة حلقه بنفسه، لا يلي ذلك أحد غيره، وأن معناه مخالف لمعنى إتيان القواعد، لاختلاف القضيتين...وإنما يصرف كل معنى إلى المعنى الذي ينصرف إليه ويحتمله في سياق القول،...
والقرآن عربي مبين، تصرف معانيه إلى أشهر ما تعرفه العرب في لغاتها، وأعمها عندهم".
وقال أيضًا في النقض على المريسي (2/ 780): "ثم لم تأنف من هذا التأويل حتى ادعيت على قوم من أهل السنة أنهم يفسرون ضحك الله على ما يعقلون من أنفسهم، وهذا كذب تدعيه عليهم؛ لأنا لم نسمع أحدا منهم يشبه شيئا من أفعال الله تعالى بشيء من أفعال المخلوقين، ولكنا نقول: هو نفس الضحك، يضحك كما يشاء، وكما يليق به".
*****************************
قول الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى، المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة
(المتوفى: 291):
قال أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3 / 399-400): "وجدت بخط أبي الحسن الدارقطني رحمه الله عن إسحاق الهادي، قال: سمعت أبا العباس ثعلبا يقول: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجا {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} أقبل، و{اسْتَوَى على العَرْش} علا، واستوى وجهه اتصل، واستوى القمر امتلأ، واستوى زيد وعمرو تشابها واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي يعرف من كلام العرب".
*****************************
قول شيخ المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى:310):
قال ابن جرير الطبري في جامع البيان (1/ 189): "وقال بعضهم: الغضب منه [أي: من الله تعالى] معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأنّ الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها".
وقال أيضًا في جامع البيان (10 / 144-145): "وقال آخرون: معنى "الرضى" من الله جل وعز، معنى مفهوم، هو خلاف السخط، وهو صفة من صفاته، على ما يعقل من معاني "الرضى" الذي هو خلاف السخط".
وقال أيضًا في جامع البيان (21 / 387): "وقوله: (وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا) يقول: وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربّاً أرسله إلينا".
وقال أيضًا في التبصير في معالم الدين (ص:146-147): "فإن قال لنا منهم قائلٌ: فما أنت قائلٌ في معنى ذلك [أي: المجيء والنزول]؟
قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا -جل جلاله- يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلةٍ، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازلٌ إليها كل لحظةٍ وساعةٍ وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودةً، ولا تخلو ساعةٌ من أمره، فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقتٍ، ما دامت موجودةً باقيةً.
وكالذي قلنا في هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عز وجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه".
وقال أيضًا في التبصير في معالم الدين (ص: 140-142) بعد أن ذكر صفة السمع والبصر واليدين والوجه والقدم والضحك وغيرها: "فإن قال لنا قائلٌ: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
قيل: الصواب من هذا القول عندنا، أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه -جل ثناؤه- فقال: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}،...
فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه،
فنقول: يسمع -جل ثناؤه- الأصوات، ....... وكذلك يبصر الأشخاص ببصرٍ لا يشبه أبصار بني آدم .....
وله يدان ويمينٌ وأصابع، وليست جارحةً، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجهٌ .......ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. ...... ويهبط كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا".
وقال أيضًا في جامع البيان ت (1 / 303-304) في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}: "والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أن معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهارُ المستهزِئ للمستهزَء به من القول والفعل ما يُرضيه ظاهرًا، وهو بذلك من قِيله وفِعْله به مُورِثه مَساءة باطنًا. وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر...
كان معلومًا أنه جل ثناؤه بذلك من فعلِه بهم - وإن كان جزاءً لهم على أفعالهم، وعدلا ما فعل من ذلك بهم لاستحقاقهم إياه منه بعصيانهم له -كان بهم- بما أظهرَ لهم من الأمور التي أظهرها لهم: من إلحاقه أحكامهم في الدنيا بأحكام أوليائِه وهم له أعداء، وحشرِه إياهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذبين إلى أن ميَّز بينهم وبينهم- مستهزئًا، وبهم ساخرًا، ولهم خادعًا، وبهم ماكرًا؛ إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل...
وأما الذين زعموا أن قول الله تعالى ذكره: {الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ}، إنما هو على وجه الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكرٌ ولا خديعة، فنافُون على الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه، وأوجبه لها.
وسواءٌ قال قائل: لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخريةٌ بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به، أو قال: لم يخسف الله بمن أخبر أنه خَسَف به من الأمم، ولم يُغرق من أخبر أنه أغرقه منهم.
ويقال لقائل ذلك: إن الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكرَ بقوم مضَوْا قبلنا لم نَرَهُم، وأخبر عن آخرين أنه خَسَف بهم، وعن آخرين أنه أغرقهم، فصدَّقْنا الله تعالى ذكره فيما أخبرنا به من ذلك، ولم نُفَرِّق بين شيء منه. فما بُرهانُك على تفريقك ما فَرَّقت بينه، بزعمك: أنه قد أغرقَ وخَسف بمن أخبر أنه أغرق وخسف به، ولم يمكُرْ بمن أخبر أنه قد مكر به؟
ثم نعكس القول عليه في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئًا إلا أُلزِم في الآخَر مثله".
*****************************
قول إمام الأئمة محمد ابن خزيمة (المتوفى: 311):
قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (ص: 117): "أما خبر ابن مسعود فمعناه أن الله جل وعلا يمسك ما ذُكر في الخبر على أصابعه على ما في الخبر، سواء قبل تبديل الله الأرض غير الأرض، لأنّ الامساك على الأصابع غير القبض على الشيء، وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها".
وقال أيضًا (ص: 339): "باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل بلا صفة تصف ضحكه جل ثناؤه لا ولا يشبّه ضحكه بضحك المخلوقين وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا؛ إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم مصدقون بذلك بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه".
وقال أيضًا (ص:163- 164): "وألم تسمعوا قول خالقنا: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أليس معلوما في اللغة السائر بين العرب التي خوطبنا بها وبلسانهم نزل الكتاب أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض إنما يدبره المدبر وهو في السماء لا في الأرض، كذلك مفهوم عندهم أن المعارج المصاعد قال الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وإنما يعرج الشيء من أسفل إلى أعلى وفوق لا إلى دون وأسفل. فتفهَّموا لغة العرب لا تغالطوا.
وقال جل وعلا: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فالأعلى مفهوم في اللغة أنه أعلى شيء، وفوق كل شيء، والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه أعلمنا أنه العلي العظيم".
وقال أيضًا (ص: 185): "نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا،...فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه؛ إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل".
وقال أيضًا (1 / 18): "فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدما كما قاله المبطلون، لأن ما لا صفة له عدم، تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم".
وقال أيضًا (ص: 162): "وقال الله عز وجل: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} ومحال أن يهبط الإنسان من ظهر الأرض إلى بطنها أو إلى موضع أخفض منه وأسفل فيقال رفعه الله إليه؛ لأن الرفعة في لغة العرب الذين بلغتهم خطوبنا لا تكون إلا من أسفل إلى أعلى وفوق".
*****************************
32- قول الإمام أبي عبد الله الزبيري الشافعي (المتوفى: 317):
قال أبو عبد الله الزبيري كما في الجامع في عقائد ورسائل أهل السنة والأثر (ص: 762): "الرد على من أنكر اليد...ولو كان كما تقول الجهمية: إنها يد النعمة لكانت يدا واحدة، ولا تكون في كلام العرب يدين إلا اليدان من ذاته".
*****************************
وقال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة (3 / 1155): "سمعت أبا عبد الله الزبيري رحمه الله وقد سئل عن معنى هذا الحديث [أي: حديث فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته»], فذكر مثل ما قيل فيه, ثم قال أبو عبد الله: نؤمن بهذه الأخبار التي جاءت كما جاءت, ونؤمن بها إيمانا( ), ولا نقول: كيف؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث انتهي لنا, فنقول من ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت".
*****************************
- قول الإمام أبي الحسن الأشعري (المتوفى: 324):
قال أبو الحسن الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة (ص: 125-129): "فإن سئلنا أتقولون: إن لله يدين؟
قيل: نقول ذلك بلا كيف،...وليس يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيديّ، ويعني به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي، ويعني النعمة، بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة...
ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره، ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه، فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه، وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل، وليس في لسانهم ما ادعوه".
وقال أيضًا في الإبانة عن أصول الديانة (ص: 139-140): "فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}، وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على المجاز؟
قيل له: حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته، ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة.
ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم، فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر، وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة، كذلك قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين، ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة".
وقال أيضًا في الإبانة عن أصول الديانة (ص: 105-107): "إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به .........
كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}...وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً}، كذَّبَ موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات. وقال تعالى: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات، فقال تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا، وأنه فيهن جميعا، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض".
*****************************
قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (المتوفى: 360):
قال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة (3 / 1126): "باب الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة. قال محمد بن الحسين رحمه الله: الإيمان بهذا واجب, ولا يسع المسلم العاقل أن يقول: كيف ينزل؟".
وقال أيضًا (ص: 241): "وقال عز وجل : وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً
واعلم - رحمك الله - أن عند أهل العلم باللغة أن اللقي ههنا لا يكون إلا معاينة، يراهم الله
عز وجل ويرونه، ويسلم عليهم، ويكلمهم ويكلمونه".
*****************************
قول الإمام أبي إسحاق بن شاقلا (المتوفى: 369):
قال أبو إسحاق بن شاقلا كما في طبقات الحنابلة (2 / 135): "هَذِهِ الأحاديث تلقاها العلماء بالقبول، فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأولها ولا يسقطها؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوْ كَانَ لها معنى عنده غير ظاهرها لبيَّنه، ولكان الصحابة حِينَ سمعوا ذَلِكَ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألوه عن معنى غير ظاهرها، فلما سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا، ونقبل طوعا ما قبلوا".
*****************************
40- قول الإمام أبي منصور الأزهري (المتوفى: 370):
قال الأزهري في تهذيب اللغة (3 / 156-157): "ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} فالغمام معروف في كلام العرب، إلاّ أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه، فنحن نؤمن به، ولا نكيِّف صفته. وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ".
*****************************
قول الإمام محمد بن إبراهيم الكلاباذي (المتوفى: 380):
قال في كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف (ص: 35): "وأن له سمعا وبصرا ووجها ويدا على الحقيقة
*****************************
قول الإمام ابن أبي زيد القيرواني (المتوفى: 386):
قال ابن أبي زيد القيرواني كما في مقدمه كتابه الجامع في السنن والآداب (ص: 107) واجتماع الجيوش الإسلامية (ص: 83): "فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة إن الله سبحانه وتعالى اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى... وأن الله عز وجل كلّم موسى عليه الصلاة والسلام بذاته وأسمعه كلامه لا كلاما قام في غيره، وأنه يسمع ويرى ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وأن يديه غير نعمته في ذلك، وفي قوله سبحانه {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأنه يجيء يوم القيامة بعد أن لم يكن جائيا والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين، ويسخط على من كفر به ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه".
*****************************
قول الإمام عبيد الله بن محمد العُكْبَري المعروف بابن بَطَّة (المتوفى: 387):
قال ابن بطة في الإبانة الكبرى (7 / 137): "وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}، وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطِّيبُ}، فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا".
وقال أيضًا (7 / 239-240: "فإذا قامت الحجة على الجهمي وعلم صحة هذه الأحاديث ولم يقدر على جحدها، قال: الحديث صحيح، وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا في كل ليلة» ينزل أمره.
قلنا: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله عز وجل»، «وينزل ربنا» ولو أراد أمره لقال: ينزل أمر ربنا.
فيقول: إن قلنا: ينزل، فقد قلنا: إنه يزول والله لا يزول ولو كان ينزل لزال؛ لأن كل نازل زائل.
فقلنا: أو لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن رب العالمين؟ فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف؛ لأنكم إن جحدتم الآثار، وكذبتم بالحديث، رددتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وكذبتم خبره، وإن قلتم: لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزل إلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان، لكنا نصدق نبينا صلى الله عليه وسلم ونقبل ما جاء به، فإنا بذلك أمرنا وإليه ندبنا، فنقول كما قال: ينزل ربنا عز وجل، ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله، ولا نحده ولا نقول: إن نزوله زواله".
*****************************
قول الإمام أبي عبد الله ابن منده (المتوفى: 395):
قال أبو عبد الله ابن منده في الرد على الجهمية (ص: 34-35): "باب ذكر قول الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ذكر ما يستدل به من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله جل وعز خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة".
*****************************
قول الإمام أبي عبد الله ابن منده (المتوفى: 395):
قال أبو عبد الله ابن منده في الرد على الجهمية (ص: 34-35): "باب ذكر قول الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ذكر ما يستدل به من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله جل وعز خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة"
.
وقال أيضًا في كتاب التوحيد (2 / 82): "ومعنى الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته، وكيفية صفاته عز وجل".
وقال (ص: 50) باب قول الله جل وعز: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وقال الله عز وجل: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} وذِكْر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على حقيقة ذلك" ثم ساق مجموعة من الأحاديث التي فيها ذكر الوجه".
وقال (ص: 55-56): "ومعنى وجه الله عز وجل ها هنا على وجهين: أحدهما: وجه حقيقة. والآخر بمعنى الثواب.
فأما الذي هو بمعنى الوجه في الحقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى وصهيب وغيرهم مما ذكروا فيه الوجه، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه جل وعز، واستعاذته بوجه الله، وسؤاله النظر إلى وجهه جل وعز، وقوله صلى الله عليه و سلم لا يسأل بوجه الله وقوله: أضاءت السماوات بنور وجه الله، وإذا رضي عز وجل عن قوم أقبل عليهم بوجهه جل وعز، وكذلك قول الله جل وعز: إلى ربها ناظرة القيامة، وقول الأئمة بمعنى إلى الوجه حقيقة الذي وعد الله جل وعز ورسوله الأولياء وبشر به المؤمنين بأن ينظروا إلى وجه ربهم عز وجل".
*****************************
قول الإمام أبي عبد الله محمد ابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399):
قال ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص: 88): "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: {الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى}".
*****************************
قول الإمام أبي بكر محمد بن موهب التجيبي المالكي (المتوفى: 406):
قال في شرحه لرسالة ابن أبي زيد القيرواني في مذهب مالك كما في العلو للعلي الغفار (ص: 264-265): "وأما قوله: (إنه فوق عرشه المجيد بذاته)، فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتصديق ذلك قوله تعالى: {ثمَّ اسْتَوَى على العَرْش الرَّحْمنُ}، وقال تعالى: {الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى}، وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: {يَخافُونَ ربَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفْعَلُونَ ما يُؤمرونَ}...
وقد تأتي (في) في لغة العرب بمعنى فوق، وعلى ذلك قوله تعالى: {فامْشُوا في مَنَاكِبِها} يريد فوقها وعليها، وكذلك قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يريد عليها، وقال تعالى: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} الآيات، قال أهل التأويل العالمون بلغة العرب: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين، مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم، مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بين أن علوه فوق عرشه إنما هو بذاته؛ لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته".
*****************************
قول الحافظ أبي عمر الطلمنكي المالكي (المتوفى: 429):
قال الحافظ الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: 246): "قال الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول، وهو مجلدان: أجمع المسلمون من أهل السنة على أنّ معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء".
*****************************
قول الحافظ أبي نصر السجزي (المتوفى: 444):
قال الحافظ أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: 227-228): "الواجب أن يعلم أن الله تعالى إذا وصف نفسه بصفة هي معقولة عند العرب، والخطاب ورد بها عليهم بما يتعارفون بينهم، ولم يبين سبحانه أنها بخلاف ما يعقلونه، ولا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لما أداها بتفسير يخالف الظاهر، فهي على [ما] يعقلونه ويتعارفونه".
*****************************
قول شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني (المتوفى: 449):
قال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 160-165): "أصحاب الحديث، حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم، يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله
صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما بكيف أو شبهها بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة، خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف، ومنّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}...
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضا والسخط والحياة واليقظة والفرح والضحك وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه، بتأويل منكر يُستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه( ) إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله".
*****************************
قول الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (المتوفى: 458):
قال أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد (ص: 113): "وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَأَرَادَ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، يَعْنِي عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ}، يعني على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، فمعنى الآية - والله أعلم- أأمنتم من على العرش، كما صرح به في سائر الآيات".
*****************************
قول القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء (المتوفى: 458):
قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (ص: 43): "واعلم أنه لا يجوز ردّ هذه الأخبار على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة، ولا التشاغل بتأويلها على ما ذهب إليه الأشعرية، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا نعتقد التشبيه فيها".
وقال (ص: 71): "دليل آخر على إبطال التأويل أن الصحابة ومَن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها".
*****************************
قول الحافظ ابن عبد البر (المتوفى: 463):
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (7/131): "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل (استوى) استولى فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز؛ إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يُوجّه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم.
ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدّع ما ثبت شيء من العبارات، وجلّ الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه،...
قال أبو عمر: الاستواء: الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل، وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}".
وقال أيضًا في التمهيد (7 / 133-134): "أما سمعوا الله عز وجل حيث يقول: {وقالَ فِرعَونُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً}، فدلّ على أن موسى عليه السلام كان يقول إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذبًا...
وقال أيضًا في التمهيد (7/152-153): "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا» عندهم [أي: الصحابة] مثل قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} ومثل قوله {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} كلهم يقول: ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف، لا يقولون :كيف يجيء، وكيف يتجلى، وكيف ينزل، ولا من أين جاء، ولا من أين تجلى، ولا من أين ينزل؛ لأنه ليس كشيء من خلقه، وتعالى عن الأشياء ولا شريك له.
وفي قول الله عز وجل: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل، وفي ذلك ما يفسِّر معنى حديث التنزيل".
وقال أيضًا في التمهيد (7 / 145): "أهل السنة مجموعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن مَن أقر بها مشبّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود( )، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة. والحمد لله".
*****************************
قول الحافظ الخطيب البغدادي (المتوفى: 364):
قال الحافظ الخطيب البغدادي في رسالته في الصفات في جوابه لأهل دمشق (ص: 20) [تحقيق: عمرو عبد المنعم]: "أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه.
والأصل في هذا أنّ الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح. ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد)".
وذكر نصّ هذه الرسالة عن الخطيب البغدادي ابنُ قدامة، وساقها بسنده إليه كما في ذم التأويل (ص: 15).
وذكرها أيضاً الحافظ الذهبي بسنده إليه في كتابه سير أعلام النبلاء (18/ 282-284)، وفي كتابه العرش (2 / 457)، وفي كتابه تذكرة الحفاظ (3 / 225)، وفي كتابه العلو للعلي الغفار (ص: 253).
*****************************
- قول فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي الحنفي (المتوفى: 482):
قال كما في أصول البزدوي (ص: 10): "وكذلك [أي: وكإثبات الرؤية] إثبات اليد والوجه حق عندنا، معلوم بأصله متشابه بوصفه، ولا يجوز إبطال الأصل بالعجز عن درك الوصف، وإنما ضلت المعتزلة من هذا الوجه فإنهم ردّوا الأصول لجهلهم بالصفات فصاروا معطلة".
*****************************
66- قول شمس الأئمة السرخسي الحنفي (المتوفى: 483):
قال شمس الأئمة السرخسي كما في شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص: 93): إثبات اليد والوجه حق عندنا ...وأهل السنة والجماعة أثبتوا ما هو الأصل، معلوم المعنى بالنص أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية، وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية، ولم يجوزوا الاشتغال في طلب ذلك".
*****************************
67- قول الإمام أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي (المتوفى: 486):
قال أبو الفرج الشيرازي في التبصرة في أصول الدين (ص: 129): "الدلالة على أنّ الله تعالى على العرش، خلافاً للأشعرية في قولهم ليس هو على العرش...الاستواء في اللغة عبارة عن الارتفاع على الشيء".
وقال أيضًا في جزء امتحان السني من البدعي (ص: 193) في صفة اليدين: "دليلنا قوله تعالى لإبليس اللعين: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، واليد يد الصفة، لا قدرتان ولا نعمتان ولا جارحتان، بل هما صفتان من صفات ذاته".
وقال (ص: 226): "يُسأل عن الله تعالى هل يغضب ويرضى؟ فإن قال به فهو سنّي، وإن أنكره فهو جهمي...فالرضا والغضب صفتان من صفات الذات".
*****************************
قول محيي السنة البغوي (المتوفى: 516، أو 510):
قال محيي السنة البغوي في تفسيره معالم التنزيل (2 / 67): "ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع، والبصر والوجه، وقال جل ذكره: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلتا يديه يمين» والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم".
وقال أيضًا (4/ 293) في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }: "علا عليه".
وقال أيضًا (1/ 78) في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ }: "قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء".
وقال أيضًا في شرح السنة (1/171): "قال أبو العالية: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } ارتفع فسوى خلقهن، وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.
وقال أيضًا في شرح السنة (1 / 168-171): "والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله سبحانه وتعالى كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرِّجْل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح...فهذه ونظائرها صفات لله عز وجل، ورد بها السمع، يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }، وعلى هذا مضى سلف الأمة وعلماء السنة".
*****************************
79- قول المفسر أبي عبد الله القرطبي (المتوفى: 671):
قال أبو عبد الله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (7 / 219): "ولم يُنكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخصّ العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم- يعني في اللغة- والكيف مجهول".
وقال أيضًا (7 / 278): "ثُمَّ قَالَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً} وتجلّى معناه ظهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها. وجلوت السيف أبرزته من الصدأ، جلاء فيهما. وتجلى الشيء انكشف".
*****************************
قول شيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى: 728):
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (5 / 36-37): "فالاستواء معلوم - يُعلم معناه ويفسّر ويترجم بلغة أخرى - وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى".
وقال أيضًا كما في مجموع الفتاوى (13 / 308-310): "وكذلك الأئمة كانوا إذا سئلوا عن شيء من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية، كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك ربيعة قبله. وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس في أهل السنة من ينكره.
وقد بيّن أن الاستواء معلوم كما أن سائر ما أخبر به معلوم، ولكن الكيفية لا تعلم، ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى؟
ولم يقل مالك الكيف معدوم، وإنما قال: الكيف مجهول.
وهذا فيه نزاع بين أصحابنا وغيرهم من أهل السنة غير أن أكثرهم يقولون: لا تخطر كيفيته ببال، ولا تجري ماهيته في مقال.
ومنهم من يقول: ليس له كيفية ولا ماهية.
فإن قيل: معنى قوله: "الاستواء معلوم" أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه.
قيل: هذا ضعيف؛ فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن وقد تلا الآية.
*****************************
قول الحافظ أبي عبد الله الذهبي مؤرخ الإسلام (المتوفى: 748):
قال الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: 251): "فتفرع من هذا أن الظاهر يُعنى به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره "قرآءتها تفسيرها"، يعني أنها بينّة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أيضا أنها لا تُشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته".
*****************************
قول الحافظ ابن القيم (المتوفى: 751):
قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/85-86): "حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة، ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله...
ففرَّق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات.
فمن سأل عن قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}كيف يسمع ويرى؟ أجيب بهذا الجواب بعينه، فقيل له: السمع والبصر معلوم، والكيف غير معقول.
وكذلك من سأل عن العلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرضى والرحمة والضحك وغير ذلك، فمعانيها كلها مفهومة، وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذ تعقّل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها، فإذا كان ذلك غير معقول للبشر فكيف يعقل لهم كيفية الصفات"( ).
*****************************
قول الحافظ إسماعيل ابن كثير (المتوفى: 774):
قال الحافظ ابن كثير في رسالته في العقائد [مخطوط (ق 4 / 2)] نقلا من كتاب علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين للدكتور رضا بن نعسان معطي (ص: 82):
"فإذا نطق الكتاب العزيز وردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك: وجب اعتقاد حقيقته، من غير تشبيه بشي من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله من غير إضافة ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظه عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك".
*****************************
قول العلامة ابن أبي العز الحنفي (المتوفى: 792):
قال في شرح الطحاوية (ص: 265): "التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل".
وقال أيضًا (ص: 80) بعد أن ذكر الصفات الفعلية الاختيارية ومنها الاستواء والإتيان والمجيء والنزول والغضب والرضا: "ونحو ذلك مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، وإن كنا لا ندرك كنهه وحقيقته التي هي تأويله، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، ولكن أصل معناه معلوم لنا، كما قال الإمام مالك- رضي الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول".
قال ابن تيمية رحمة الله في العقيدة التدمرية..التي دمرت اهل البدع بأمر ربها
[ ﺃﺳﻤﺎء اﻟﻠﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻪ ﻭﺇﻥ اﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻋﻨﺪ اﻹﻃﻼﻕ]
ﻭﻟﻬﺬا ﺳﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻭﺳﻤﻰ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻤﺎء ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻪ ﺇﺫا ﺃﺿﻴﻔﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻻ ﻳﺸﺮﻛﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺳﻤﻰ
ﺑﻌﺾ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻬﻢ ﻣﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺗﻮاﻓﻖ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻤﺎء ﺇﺫا ﻗﻄﻌﺖ ﻋﻦ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭاﻟﺘﺨﺼﻴﺺ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ اﺗﻔﺎﻕ اﻻﺳﻤﻴﻦ ﺗﻤﺎﺛﻞ ﻣﺴﻤﺎﻫﻤﺎ ﻭاﺗﺤﺎﺩﻩ ﻋﻨﺪ اﻹﻃﻼﻕ ﻭاﻟﺘﺠﺮﻳﺪ ﻋﻦ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭاﻟﺘﺨﺼﻴﺺ، ﻻ اﺗﻔﺎﻗﻬﻤﺎ، ﻭﻻ ﺗﻤﺎﺛﻞ اﻟﻤﺴﻤﻰ ﻋﻨﺪ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭاﻟﺘﺨﺼﻴﺺ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺪ ﻣﺴﻤﺎﻫﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭاﻟﺘﺨﺼﻴﺺ.
ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻴﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻟﻠﻪ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ اﻟﺤﻲ اﻟﻘﻴﻮﻡ}
ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺣﻴﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺖ ﻭﻳﺨﺮﺝ اﻟﻤﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻲ}
ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ، ﻷﻥ ﻗﻮﻟﻪ {اﻟﺤﻲ}
اﺳﻢ ﻟﻠﻪ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﻪ، ﻭﻗﻮﻟﻪ {ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺖ}
اﺳﻢ ﻟﻠﺤﻲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎﻳﺘﻔﻘﺎﻥ ﺇﺫا ﺃﻃﻠﻘﺎ ﻭﺟﺮﺩا ﻋﻦ اﻟﺘﺨﺼﻴﺺ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﻄﻖ ﻣﺴﻤﻰ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻗﺪﺭا ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻤﻴﻴﻦ، ﻭﻋﻨﺪ اﻻﺧﺘﺼﺎﺹ ﻳﻘﻴﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ، ﻭاﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻋﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ.
ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺳﻤﺎء اﻟﻠﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻻﺳﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮاﻃﺄﺓ ﻭاﻻﺗﻔﺎﻕ، ﻭﻣﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻭاﻻﺧﺘﺼﺎﺹ، اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻴﻤﺎ ﺣﻠﻴﻤﺎ، ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻋﻠﻴﻤﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﺑﺸﺮﻭﻩ ﺑﻐﻼﻡ ﻋﻠﻴﻢ}
ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺳﺤﻖ، ﻭﺳﻤﻰ ﺁﺧﺮ ﺣﻠﻴﻤﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻓﺒﺸﺮﻧﺎﻩ ﺑﻐﻼﻡ ﺣﻠﻴﻢ}
ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻌﻠﻴﻢ ﻛﺎﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻭﻻ اﻟﺤﻠﻴﻢ ﻛﺎﻟﺤﻠﻴﻢ.
ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻤﻴﻌﺎ ﺑﺼﻴﺮا، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺃﻥ ﺗﺆﺩﻭا اﻷﻣﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭﺇﺫا ﺣﻜﻤﺘﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﺗﺤﻜﻤﻮا ﺑﺎﻟﻌﺪﻝ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻧﻌﻤﺎ ﻳﻌﻈﻜﻢ ﺑﻪ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﺳﻤﻴﻌﺎ ﺑﺼﻴﺮا}
ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻘﻪ ﺳﻤﻴﻌﺎ ﺑﺼﻴﺮا ﻓﻘﺎﻝ: {ﺇﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦﻧﻄﻔﺔ ﺃﻣﺸﺎﺝ ﻧﺒﺘﻠﻴﻪ ﻓﺠﻌﻠﻨﺎﻩ ﺳﻤﻴﻌﺎ ﺑﺼﻴﺮا}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺴﻤﻴﻊ ﻛﺎﻟﺴﻤﻴﻊ، ﻭﻻ اﻟﺒﺼﻴﺮ ﻛﺎﻟﺒﺼﻴﺮ.
ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺮءﻭﻑ اﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻟﺮءﻭﻑ ﺭﺣﻴﻢ}
ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺑﺎﻟﺮءﻭﻑ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻓﻘﺎﻝ: {ﻟﻘﺪ ﺟﺎءﻛﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻋﺰﻳﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻋﻨﺘﻢ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺭءﻭﻑ ﺭﺣﻴﻢ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺮءﻭﻑ ﻛﺎﻟﺮءﻭﻑ، ﻭﻻ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻛﺎﻟﺮﺣﻴﻢ.
ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻘﺪﻭﺱ}
ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺭاءﻫﻢ ﻣﻠﻚ ﻳﺄﺧﺬ ﻛﻞ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻏﺼﺒﺎ}
، {ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﻠﻚ اﺋﺘﻮﻧﻲ ﺑﻪ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻤﻠﻚ ﻛﺎﻟﻤﻠﻚ.
ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻤﻬﻴﻤﻦ}
ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺃﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻛﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﺎﺳﻘﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻮﻭﻥ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻛﺎﻟﻤﺆﻣﻦ.ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻌﺰﻳﺰ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺠﺒﺎﺭ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ}
، ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺑﺎﻟﻌﺰﻳﺰ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻗﺎﻟﺖ اﻣﺮﺃﺓ اﻟﻌﺰﻳﺰ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻛﺎﻟﻌﺰﻳﺰ.
ﻭﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺠﺒﺎﺭ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ، ﻭﺳﻤﻰ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺒﺎﺭ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻄﺒﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻗﻠﺐ ﻣﺘﻜﺒﺮ ﺟﺒﺎﺭ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺠﺒﺎﺭ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﺭ، ﻭﻻ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ ﻛﺎﻟﻤﺘﻜﺒﺮ.
ﻭﻧﻈﺎﺋﺮ ﻫﺬا ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﻤﻰ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء، ﻭﺳﻤﻰ ﺻﻔﺎﺕ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺑﻨﻈﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﻻ ﻳﺤﻴﻄﻮﻥ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﺷﺎء}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺃﻧﺰﻟﻪ ﺑﻌﻠﻤﻪ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻫﻮ اﻟﺮﺯاﻕ ﺫﻭ اﻟﻘﻮﺓ اﻟﻤﺘﻴﻦ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺃﻭﻟﻢ ﻳﺮﻭا ﺃﻥ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻬﻢ ﻫﻮ ﺃﺷﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻮﺓ}
.
ﻭﺳﻤﻰ ﺻﻔﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻋﻠﻤﺎ ﻭﻗﻮﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﻣﺎ ﺃﻭﺗﻴﺘﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻭﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺫﻱ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻴﻢ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻓﺮﺣﻮا ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱﺧﻠﻘﻜﻢ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺛﻢ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺿﻌﻒ ﻗﻮﺓ ﺛﻢ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻗﻮﺓ ﺿﻌﻔﺎ ﻭﺷﻴﺒﺔ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﻭﻫﻮ اﻟﻌﻠﻴﻢ اﻟﻘﺪﻳﺮ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻭﻳﺰﺩﻛﻢ ﻗﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺗﻜﻢ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻭاﻟﺴﻤﺎء ﺑﻨﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺄﻳﺪ}
ﺃﻱ: ﺑﻘﻮﺓ، ﻭﻗﺎﻝ {ﻭاﺫﻛﺮ ﻋﺒﺪﻧﺎ ﺩاﻭﺩ ﺫا اﻷﻳﺪ}
ﺃﻱ: ﺫا اﻟﻘﻮﺓ، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻻ اﻟﻘﻮﺓ ﻛﺎﻟﻘﻮﺓ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺸﻴﺌﺔ، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﺸﻴﺌﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻟﻤﻦ ﺷﺎء ﻣﻨﻜﻢ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ • ﻭﻣﺎ ﺗﺸﺎءﻭﻥ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺸﺎء اﻟﻠﻪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺗﺬﻛﺮﺓ ﻓﻤﻦ ﺷﺎء اﺗﺨﺬ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺳﺒﻴﻼ • ﻭﻣﺎ ﺗﺸﺎءﻭﻥ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺸﺎء اﻟﻠﻪ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻤﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ}
.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻹﺭاﺩﺓ، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻹﺭاﺩﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺗﺮﻳﺪﻭﻥ ﻋﺮﺽ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻵﺧﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻋﺰﻳﺰ ﺣﻜﻴﻢ}
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻠﻪ ﺑﻘﻮﻡ ﻳﺤﺒﻬﻢ ﻭﻳﺤﺒﻮﻧﻪ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻗﻞ ﺇﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺤﺒﻮﻥ اﻟﻠﻪ ﻓﺎﺗﺒﻌﻮﻧﻲ ﻳﺤﺒﺒﻜﻢ اﻟﻠﻪ}
.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺭﺿﻮا ﻋﻨﻪ}
.
ﻭﻣﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﻣﺸﻴﺌﺔ اﻟﻠﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺜﻞ ﻣﺸﻴﺌﺔ اﻟﻌﺒﺪ، ﻭﻻ ﺇﺭاﺩﺗﻪ ﻣﺜﻞ ﺇﺭاﺩﺗﻪ، ﻭﻻ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺤﺒﺘﻪ، ﻭﻻ ﺭﺿﺎﻩ ﻣﺜﻞ ﺭﺿﺎﻩ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻤﻘﺖ اﻟﻜﻔﺎﺭ، ﻭﻭﺻﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻘﺖ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا ﻳﻨﺎﺩﻭﻥ ﻟﻤﻘﺖ اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻜﻢ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺇﺫ ﺗﺪﻋﻮﻥ ﺇﻟﻰ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﺘﻜﻔﺮﻭﻥ}
، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻤﻘﺖ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻘﺖ.
ﻭﻫﻜﺬا ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ ﻭاﻟﻜﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﻳﻤﻜﺮﻭﻥ ﻭﻳﻤﻜﺮ اﻟﻠﻪ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﻧﻬﻢ ﻳﻜﻴﺪﻭﻥ ﻛﻴﺪا • ﻭﺃﻛﻴﺪ ﻛﻴﺪا}
، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻤﻜﺮ ﻛﺎﻟﻤﻜﺮ، ﻭﻻ اﻟﻜﻴﺪ ﻛﺎﻟﻜﻴﺪ.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺃﻭﻟﻢ ﻳﺮﻭا ﺃﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﺃﻧﻌﺎﻣﺎ ﻓﻬﻢ ﻟﻬﺎ ﻣﺎﻟﻜﻮﻥ}
، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﻘﺎﻝ: {ﺟﺰاء ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ}
، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﺎﻟﻌﻤﻞ.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺩاﺓ ﻭاﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ، ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻧﺎﺩﻳﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﻮﺭ اﻷﻳﻤﻦ ﻭﻗﺮﺑﻨﺎﻩ ﻧﺠﻴﺎ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻳﻮﻡ ﻳﻨﺎﺩﻳﻬﻢ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻧﺎﺩاﻫﻤﺎ ﺭﺑﻬﻤﺎ}
ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺩاﺓ ﻭاﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻚ ﻣﻦ ﻭﺭاء اﻟﺤﺠﺮاﺕ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﺫا ﻧﺎﺟﻴﺘﻢ اﻟﺮﺳﻮﻝ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﺫا ﺗﻨﺎﺟﻴﺘﻢ ﻓﻼ ﺗﺘﻨﺎﺟﻮا ﺑﺎﻹﺛﻢ ﻭاﻟﻌﺪﻭاﻥ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻤﻨﺎﺩاﺓ ﻛﺎﻟﻤﻨﺎﺩاﺓ، ﻭﻻ اﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﻛﺎﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻛﻠﻢ اﻟﻠﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﺗﻜﻠﻴﻤﺎ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻟﻤﺎ ﺟﺎء ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻤﻴﻘﺎﺗﻨﺎ ﻭﻛﻠﻤﻪﺭﺑﻪ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﻞ ﻓﻀﻠﻨﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻠﻢ اﻟﻠﻪ}
، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﻠﻚ اﺋﺘﻮﻧﻲ ﺑﻪ ﺃﺳﺘﺨﻠﺼﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻠﻤﻪ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻚ اﻟﻴﻮﻡ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻜﻴﻦ ﺃﻣﻴﻦ}
، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺘﻜﻠﻴﻢ ﻛﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻢ.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻨﺒﺌﺔ، ﻭﻭﺻﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻨﺒﺌﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﺇﺫ ﺃﺳﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺃﺯﻭاﺟﻪ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺒﺄﺕ ﺑﻪ ﻭﺃﻇﻬﺮﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺮﻑ ﺑﻌﻀﻪ ﻭﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺒﺄﻫﺎ ﺑﻪ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻦ ﺃﻧﺒﺄﻙ ﻫﺬا ﻗﺎﻝ ﻧﺒﺄﻧﻲ اﻟﻌﻠﻴﻢ اﻟﺨﺒﻴﺮ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻹﻧﺒﺎء ﻛﺎﻹﻧﺒﺎء.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻟﺮﺣﻤﻦ • ﻋﻠﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ • ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎﻥ • ﻋﻠﻤﻪ اﻟﺒﻴﺎﻥ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﻬﻦ ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ}
، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻟﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﺫ ﺑﻌﺚ ﻓﻴﻬﻢ ﺭﺳﻮﻻ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﺘﻠﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭﻳﺰﻛﻴﻬﻢ ﻭﻳﻌﻠﻤﻬﻢ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺤﻜﻤﺔ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻛﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ.ﻭﻫﻜﺬا ﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑاﻟﻐﻀﺐ، ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻏﻀﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻟﻌﻨﻬﻢ}
، ﻭﻭﺻﻒ ﻋﺒﺪﻩ ﺑاﻟﻐﻀﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﻣﻮﺳﻰ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﻏﻀﺒﺎﻥ ﺃﺳﻔﺎ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻐﻀﺐ ﻛاﻟﻐﻀﺐ.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ اﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ، ﻓﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﻊ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻧﻪ اﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺵ، ﻭﻭﺻﻒ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺎﻻﺳﺘﻮاء ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻟﺘﺴﺘﻮﻭا ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮﺭﻩ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﻓﺈﺫا اﺳﺘﻮﻳﺖ ﺃﻧﺖ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻠﻚ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ: {ﻭاﺳﺘﻮﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮﺩﻱ}
ﻭﻟﻴﺲ اﻻﺳﺘﻮاء ﻛﺎﻻﺳﺘﻮاء.
ﻭﻭﺻﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺒﺴﻂ اﻟﻴﺪﻳﻦ، ﻓﻘﺎﻝ: {ﻭﻗﺎﻟﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ ﻏﻠﺖ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻭﻟﻌﻨﻮا ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﻞ ﻳﺪاﻩ ﻣﺒﺴﻮﻃﺘﺎﻥ ﻳﻨﻔﻖﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎء}
، ﻭﻭﺻﻒ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺒﺴﻂ اﻟﻴﺪ، ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﻳﺪﻙ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﻘﻚ ﻭﻻ ﺗﺒﺴﻄﻬﺎ ﻛﻞ اﻟﺒﺴﻂ}
، ﻭﻟﻴﺲ اﻟﻴﺪ ﻛﺎﻟﻴﺪ، ﻭﻻ اﻟﺒﺴﻂ ﻛﺎﻟﺒﺴﻂ، ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺮاﺩ ﺑﺎﻟﺒﺴﻂ اﻹﻋﻄﺎء ﻭاﻟﺠﻮﺩ ﻓﻠﻴﺲ ﺇﻋﻄﺎء اﻟﻠﻪ ﻛﺈﻋﻄﺎء ﺧﻠﻘﻪ، ﻭﻻ ﺟﻮﺩﻩ ﻛﺠﻮﺩﻫﻢ. ﻭﻧﻈﺎﺋﺮ ﻫﺬا ﻛﺜﻴﺮﺓ.
[ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻡ]
ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻧﻔﻲ ﻣﻤﺎﺛﻠﺘﻪ ﻟﺨﻠﻘﻪ، ﻓﻤﻦ ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻢ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ ﻭﻻ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻻ ﻛﻼﻡ، ﻭﻻ ﻳﺤﺐ ﻭﻻ ﻳﺮﺿﻰ، ﻭﻻ ﻧﺎﺩﻯ ﻭﻻ ﻧﺎﺟﻰ، ﻭﻻ اﺳﺘﻮﻯ - ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻄﻼ، ﺟﺎﺣﺪا، ﻣﻤﺜﻼ ﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺪﻭﻣﺎﺕ ﻭاﻟﺠﻤﺎﺩاﺕ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﻛﻌﻠﻤﻲ، ﺃﻭ ﻗﻮﺓ ﻛﻘﻮﺗﻲ، ﺃﻭ ﺣﺐ ﻛﺤﺒﻲ، ﺃﻭ ﺭﺿﺎ ﻛﺮﺿﺎﻱ، ﺃﻭ ﻳﺪاﻥ ﻛﻴﺪﻱ، ﺃﻭ اﺳﺘﻮاء ﻛﺎﺳﺘﻮاﺋﻲ - ﻛﺎﻥ ﻣﺸﺒﻬﺎ، ﻣﻤﺜﻼ ﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎﺕ، ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺑﻼ ﺗﻤﺜﻴﻞ، ﻭﺗﻨﺰﻳﻪ ﺑﻼ ﺗﻌﻄﻴﻞ.
.
[ اﻷﺻﻮﻝ ﻭاﻷﻣﺜﻠﺔ ﻭاﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺴﻠﻒ ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ]
ﻭﻳﺘﺒﻴﻦ ﻫﺬا ﺑﺄﺻﻠﻴﻦ ﺷﺮﻳﻔﻴﻦ، ﻭﻣﺜﻠﻴﻦ ﻣﻀﺮﻭﺑﻴﻦ - ﻭﻟﻠﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ -، ﻭﺑﺨﺎﺗﻤﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ.
ﻓﺼﻞ
ﻓﺄﻣﺎ اﻷﺻﻼﻥ:
[ اﻷﺻﻞ اﻷﻭﻝ: اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻛﺎﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ]
ﻓﺄﺣﺪﻫﻤﺎ - ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻛﺎﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ.
[ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻣﻦ ﻳﺜﺒﺖ اﻟﺼﻔﺎﺕ اﻟﺴﺒﻊ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻫﺎ]
ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﻘﺮ ﺑﺄﻥ اﻟﻠﻪ ﺣﻲ ﺑﺤﻴﺎﺓ، ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻌﻠﻢ، ﻗﺪﻳﺮ ﺑﻘﺪﺭﺓ، ﺳﻤﻴﻊ ﺑﺴﻤﻊ، ﺑﺼﻴﺮ ﺑﺒﺼﺮ، ﻣﺘﻜﻠﻢ ﺑﻜﻼﻡ، ﻣﺮﻳﺪ ﺑﺈﺭاﺩﺓ. ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻳﻨﺎﺯﻉ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭﺭﺿﺎﻩ ﻭﻏﻀﺒﻪ ﻭﻛﺮاﻫﻴﺘﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﺠﺎﺯا، ﻭﻳﻔﺴﺮﻩ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻹﺭاﺩﺓ، ﻭﺇﻣﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻢ ﻭاﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ.
ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﻻ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻧﻔﻴﺘﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ، ﺑﻞ اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺎﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ اﻵﺧﺮ، ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﺇﻥ ﺇﺭاﺩﺗﻪ ﻣﺜﻞ ﺇﺭاﺩﺓ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭﺭﺿﺎﻩ ﻭﻏﻀﺒﻪ، ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ، ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺖ: ﻟﻪ ﺇﺭاﺩﺓﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻕ ﺇﺭاﺩﺓ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ. ﻗﻴﻞ ﻟﻚ: ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻟﻪ ﻣﺤﺒﺔ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ، ﻭﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻕ ﻣﺤﺒﺔ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ، ﻭﻟﻪ ﺭﺿﺎ ﻭﻏﻀﺐ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ، ﻭﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻕ ﺭﺿﺎ ﻭﻏﻀﺐ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ.
ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻝ: اﻟﻐﻀﺐ ﻏﻠﻴﺎﻥ ﺩﻡ اﻟﻘﻠﺐ ﻟﻄﻠﺐ اﻻﻧﺘﻘﺎﻡ.
ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﻭاﻹﺭاﺩﺓ ﻣﻴﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﺇﻟﻰ ﺟﻠﺐ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺃﻭ ﺩﻓﻊ ﻣﻀﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻫﺬﻩ ﺇﺭاﺩﺓ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ. ﻗﻴﻞ ﻟﻚ: ﻭﻫﺬا ﻏﻀﺐ اﻟﻤﺨﻠﻮﻕ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻠﺰﻡ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﻭﺳﻤﻌﻪ ﻭﺑﺼﺮﻩ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ، ﺇﻥ ﻧﻔﻰ ﻋﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻭاﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭاﻟﺮﺿﺎ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ، ﻓﻬﺬا ﻣﻨﺘﻒ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﻊ ﻭاﻟﺒﺼﺮ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻭﺟﻤﻴﻊ اﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻬﺬا ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ ﻓﻴﺠﺐ ﻧﻔﻴﻪ ﻋﻨﻪ. ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﻭﻫﻜﺬا اﻟﺴﻤﻊ ﻭاﻟﺒﺼﺮ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻭاﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﻘﺪﺭﺓ.ﻓﻬﺬا اﻟﻤﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﺑﻌﺾ، ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻔﺎﻩ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻫﻮ ﻟﻤﻨﺎﺯﻋﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ، ﻓﺈﺫا ﻗﺎﻝ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﻲ: ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺇﺭاﺩﺓ ﻭﻻ ﻛﻼﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﻪ، ﻷﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻻ ﺗﻘﻮﻡ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﻴﻦ ﻟﻠﻤﻌﺘﺰﻟﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺼﻔﺎﺕ اﻟﻤﺤﺪﺛﺎﺕ. ﻓﻬﻜﺬا ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﺜﺒﺘﻮﻥ ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭاﻟﺮﺿﺎ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ...انتهى
...
تعليقات
إرسال تعليق
يسرني تعليقك